بئر الغريب



محل صغير لتصليح الاحذية بمنطقة الغريب، اقدم مناطق حى السويس السكنية، مجاور لماركت حليم الشهير و المعروف لأهالى السويس، ببداية شارع طلعت حرب.  قد تكون مررت الاف المرات بهذا المحل و لم يلفت انتباهك، فربما لا تعرف ان هذا المحل  المتواضع، يحتضن بداخلة احد اسرار صمود السويس و اهلها، فى مواجهة الحصار الخانق الذى استمر مائة يوم، و الذى فرضتة قوات العدو الاسرائيلي بقيادة شارون على المدينة، و ذلك بعد فشلها الذريع فى اقتحام السويس و كسر إرادة اهلها.


فبداخل المحل الصغير يوجد بئر مياة عذبة يطلق علية البعض اسم "بئر البركة"، يتجاوز عمرة فيما يقال مائتى عام او اكثر، لا يمكننى ان اجزم بذلك، الا انه مما لا شك فية ان اقدم من عمر هذا البيت الذى تم بناءة عام 1950 فوق هذا البئر، و الذى نسجت حولة الحكايات و الاساطير التى زعمت ان البئر تفجرت كمعجزة عندما اشتد الحصار على ابناء السويس و ندر بها الماء الصالح للشرب.

الا ان حقيقة الامر كما يذكرها بعض من عايش هذا الحصار، هو انه عندما قل الماء، تنازل الاهالى عن الماء المتاح لجنود الجيش الثالث فى شرق القناة، فقد كانت السويس مصدر مياة الشرب الوحيد لقوات الجيش الثالث المحاربة فى سيناء.  و نشط رجال السويس فى حفر أبار مياة كبديل لتوفير ما يكفى من المياة لصمود سكانها المحاصرين فى ذلك الوقت، فى حين نشطت ذاكرة كبار السن لتذكر اماكن أبار المياة التى كانت تغذى السويس قديما قبل حفر ترعة الاسماعيلية، لعلها ما زالت تحتوى على ما يكفى ليروى ظمأ الاهالى.  و لتعلن السويس التحدى "لا تستهينوا بنا. سنصمد حتى لو متنا من الجوع و العطش". 

إقرأ أيضا: من السويس حكاية مدفع ابو جاموس


و يحكى الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في السويس قصة البئر قائلا
 "جاءنى رجل يزيد عمره عن 85 عامًا، وأخبرنى أنه يوجد فى منطقة الغريب بئر قديم كان يستخدمه أهل المدينة منذ مئات السنين، وأن هذا البئر فيه سر من أسرار الله، وأنه ما علينا إلا أن نلقى به بعضا من السكر ونقرأ الفاتحة، وسيتدفق منه الماء بأمر الله.. وبالفعل ذهبت إلى مكان البئر، وفعلت ما قاله الرجل ونظرت فى البئر فلم أجد فيه سوى بعض الماء لا يزيد عن 70 أو 80 سنتمترا، فقلت أنه لن يكفى أكثر من 10 جراكن، ولكن ما أن علم الناس بأمر البئر حتى تدفقوا بالآلاف وبدأوا يملئون من تلك الماء العذبة، وأنا أنتظر أن تجف، فلا تجف." (1)

فى حين ان مؤرخ السويس الراحل الاستاذ/ حسين العشى كتب عن البئر قائلا: "و الذين قالوا ان الآبار تفجرت وحدها فى فترة الحصار كانوا يضللون و يدجلون فسواعد الرجال هى التى حفرت بمساعدة ذاكرة المسنين – الابار القديمة. و كان أكبرها بئر الغريب الذى تم تحليل مياهه و وجدت صالحة للشرب. صحيح انها لم تكن فى عذوبة ماء النيل لكن العذوبة لا تهم فى هذه الظروف.(2) 

بئر الغريب الدفين لم يمد اهالى السويس بالماء فقط،  و لكن امدهم مع كل قطرة ماء بالقوة و روح الصمود الذى تميز اهلها.  و ليبقى شاهدا على واحدة من اروع حكايات الصمود و التحدى لشعب السويس.

المصادر:
1-  تحقيق صحفى بموقع انفراد الاخبارى فى 12 سبتمبر 2017. 
2-  كتاب "خفايا حصار السويس - 100 يوم مجهولة فى حرب اكتوبر" للمؤرخ الراحل: حسين العشى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاكثر شعبية